عندما تطلق كلمة التاريخ ينصرف الذهن إلى الأحداث الماضية، والدول والحضارات البائدة، وعلم التاريخ كما في كشف الظنون هو: معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم إلى غير ذلك.
ومع إرتباط التاريخ بالماضي إلا أننا نسمع مقولات تظهر وتتكرر مع تجدد الأحداث المعاصرة، وربما كان بعضها متعلقاً بتوقع النتائج المستقبلية، فعلى سبيل المثال تتكرر مقولة: التاريخ يعيد نفسه ومثلها: ما أشبه الليلة بالبارحة، والزمن دوار، أي قد يتكرر في آخره ما حصل في أوله، وكأن هذه المقولات تخرج بالتاريخ من إطار الزمن الماضي إلى التفاعل مع الحاضر، والإستعداد للمستقبل، ومما يوضح الأمر ما ذكره صاحب كشف الظنون عن فائدة التاريخ بقوله: وفائدته العبرة بتلك الأحوال، والتنصح بها، وحصول ملكة التجارب والوقوف على تقلبات الزمن ليحترز عن أمثال ما نقل من المضار، ويستخلص نظائرها من المنافع.
وهذا يدل على أن العبرة المستخلصة من الأحداث تعد بمثابة قاعدة لا ترتبط بزمن ما، فقولنا: الظلم مرتعه وخيم أو: على الباغي تدور الدوائر أو: من أعان ظالماً سلّط عليه، كل ذلك يرتبط بأحداث متنوعة تقع في أزمنة متعددة، وأوضاع متباينة، والأشخاص مختلفون، وفي أماكن متباعدة والجامع بينها تلك النتيجة المستخلصة والدرس المستفاد.
والداعية المسلم أقدر الناس على الإستفادة من عبر التاريخ لتنزيلها في مواجهة مستجدات الأحداث، وذلك لأن المسلم عنده الحقائق القرآنية التي لا تتبدل، والسنن الربانية التي لا تتعرض: ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً، والداعية يجد في القرآن قصص الأولين، وأحوال الغابرين، وأخبار الإنتصار، وأنباء الانكسار، والحق جل وعلا يدعوه لإعمال الفكر والإستفادة فيقول: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}، والنظر بعين الاعتبار. {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}، ففي القصص القرآنية دروس حول الإستبداد السياسي من خلال قصة موسى وفرعون، وأخرى في الإنحلال والأخلاقي في قصة لوط، وثالثة في الإنحراف الإقتصادي في قصة شعيب، ورابعة في الإستعلاء المادي في قصة هود وغير ذلك كثير، ثم إن القرآن يوضح السنة الإلهية التي تحكم أوضاع المجتمعات كما في قوله: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وقوله: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}، وقوله: {ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}، وقوله: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذين عملوا لعلهم يرجعون}، وهذه كلها قواعد لا تخرم وسنن لا تتبدل ومشاهد تتكرر لا تخطئها العيون، ومن هنا فإن الدعاة بإستمدادهم من القرآن أهدى سبيلاً، وأقوم قيلاً، وأصوب تحليلاً، وأقدر على إدراك الواقع ومعرفة الملابسات، والإستعداد للمواجهات.
ولذا كان لابد من العناية بدراسة التاريخ في المناهج الدعوية، والثقافة الإسلامية، مع بيان أن التاريخ ليس أحداثاً تروى، ولا قصصاً تحكى، بل هو عبرٌ تنطق ودروس تطبق، ومن هنا ندرك أهمية المحافظة على التاريخ من التحريف والتزوير في وقائعه أو الإنحراف والزيغ في تفسيره وتحليله، ومن هنا أيضاً يسعى أعداء الله لمحو تاريخنا في المناهج التعليمية وتشويهه، وهذه القضية مهمة فهل تجد إهتماماً يكافئ أهميتها، حتى نعرف واقعنا ونكشف أعداءنا ونعد لمستقبلنا؟
الكاتب: علي بن عمر بادحدح.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.